New Fatwa

NEW FATWA

جديد الفتاوى

f

a

t

a

w

a

f

e

r

k

o

u

s

n

e

w

f

a

t

w

a

F

E

R

K

O

U

S

N

E

W

F

A

T

W

A

جديد

الفتاوى

المقروءة

للشيخ فركوس

تنبيهٌ على خطإ في فتوى «حكم وضعِ جهازِ اللَّولبِ داخِلَ رَحِمِ المرأةِ» وتصحيحها

تنبيهٌ على خطإ في فتوى «حكم وضعِ جهازِ اللَّولبِ داخِلَ رَحِمِ المرأةِ» وتصحيحها

نصُّ الرسالةِ
لُوحِظَ في نصِّ هذه الفتوى المُتعلِّقةِ باللَّولبِ رقم: (١٠٢٢) المُعنونة ﺑ: «حكم وضعِ جهازِ اللَّولبِ داخلَ رَحِمِ المرأةِ» أنَّ فيها قلبًا في وظيفة اللَّولَبَينِ، حيثُ جاءت الفتوى معكوسةً، والصَّحيحُ الَّذي عليه أهلُ الاختصاصِ في طبِّ النِّساءِ والتَّوليدِ أنَّ اللَّولبَ الهُرمونيَّ هو الَّذي يمنعُ التَّبويضَ والتَّعشيشَ، بينما اللَّولبُ النُّحاسيُّ يمنعُ التَّعشيشَ فقط، وجزاكم الله خيرًا
المُراسِلة: طبيبةٌ مختصَّةٌ بأمراضِ النِّساءِ والتَّوليدِ

الجواب
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد
فلا يخفى أنَّ الفتوى في المَسائلِ الطِّبِّيَّةِ وغيرِها ممَّا يحتاج المُفتي فيها إلى تصوُّرٍ صحيحٍ إنَّما تُبنى على تقاريرِ خِبرةٍ طِبِّيَّةٍ، أو على نتائجِ البُحوثِ المُعمَّقةِ أو الدِّراساتِ المَيدانيَّةِ، جريًا على قاعدةِ: «الحُكمُ على الشَّيءِ فرعُ تصوُّرِهِ»؛ وفي هذه المَسألةِ المَطروحةِ بَنَيْتُها على تقريرِ طبيبٍ عامٍّ غيرِ مختصٍّ في أمراضِ النِّساءِ والتَّوليدِ، لكنَّه واسعُ المَعرفةِ والاطِّلاعِ؛ وظهَرَ لي ـ بعد المُراسلةِ ـ وجاهةُ هذا التَّنبيهِ الطِّبِّيِّ، ومع ذلك فقَدْ تأكَّدْتُ مِنْ أمرِ هذه المَسألةِ مع طبيبٍ آخَرَ، وكان تفصيلُه لها على الوجه الآتي: «آليَّةُ عملِ اللَّولب
أوَّلًا: آليَّةٌ مُشترَكةٌ عمومًا [هرموني، ونحاسي]
١) يحولُ دون مرورِ الكائنات المَنَويَّةِ؛ وذلك بتغييرِ طبيعة المُخاطِ الموجودِ على مستوَى عُنُقِ الرَّحِمِ، بحيث يجعل مرورَ هذه الكائناتِ المَنَويَّة أمرًا صعبًا، ويقلِّل مِنْ قُدرتِها على تلقيحِ البُوَيْضةِ
٢) يمنع التعشيشَ بآليَّةٍ مختلفةٍ، لكنَّها متشابهةٌ
ـ الهرمونيُّ: يسبِّبُ ضُمورًا في الغشاءِ الدَّاخليِّ للرَّحِمِ يمنعُ التَّعشيشَ
ـ النُّحاسيُّ: يسبِّبُ الْتِهابًا في الغشاء الداخليِّ للرَّحمِ يمنعُ علوقَ البُويضة الملقَّحة في جدارِ الرَّحِم
ثانيًا: آليَّةٌ خاصَّةٌ بالهرمونيِّ يمنع ـ في بعض الحالات؛ وليس في كُلِّها ـ الإباضةَ أو التبويض
هذا، وقد عَمِلْتُ على استدراكِ الخطإ وتصحيحه بترجيحِ استعمال الهرمونيِّ على النُّحاسيِّ، والشُّكرُ موصولٌ إلى صاحب التَّنبيهِ ومَنْ أَوصلَه، وإلى كُلِّ مَنْ أَسهَمَ في الخير ونشرِ العلم النَّافع، فجزاهم اللهُ خيرَ الجزاء
وخلاصةُ جُزئيَّةِ الفتوى المعدَّلةِ تظهر على الوجه الآتي
إقرء المزيد

في حُكمِ فَرْشِ المسجِدِ بسجَّادٍ أحمرِ اللَّونِ

في حُكمِ فَرْشِ المسجِدِ بسجَّادٍ أحمرِ اللَّونِ

السؤال: اشترَيْتُ سجَّادًا أحمرَ لِمَسجدٍ، فأَنكرَ عليَّ بعضُ الإخوة، مُستدِلِّين بقولِ عمرَ رضي الله عنه: «أَكِنَّ(١) النَّاسَ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ(٢)، وَلَا تُحَمِّرْ وَلَا تُصَفِّرْ»؛ فماذا ترَوْن في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا
الجواب: الحمد لله ربِّ العالَمِين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالَمِين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد
فإنَّ أَثرَ عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه فيما أمَرَ به البنَّاءَ لَمَّا احتاج إلى توسيع المسجدِ النَّبويِّ وتجديدِه في زمانه؛ فقد أَوردَهُ البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم مع جملةٍ مِنَ الآثار فقال: «وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ»(٣)، وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ وَقَالَ: «أَكِنَّ(٤) النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ»(٥)، وَقَالَ أَنَسٌ: «يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا»(٦)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى»(٧)»
فذكَرَ عمرُ رضي الله عنه في الأَثرِ المسؤولِ عنه أنَّ الغايةَ مِنَ العِمارة البُنيانيَّة للمساجد متمثِّلةٌ في وقاية النَّاس بالاستتار فيه مِنَ الحرِّ والقُرِّ والمطرِ، ثمَّ حذَّر مِنْ هذه الألوانِ المُزَخْرَفة الَّتي تَشغَلُ قلوبَ النَّاس؛ قال المُناويُّ ـ رحمه الله ـ: «فزخرفة المساجد، وتحليةُ المصاحفِ منهيٌّ عنها؛ لأنَّ ذلك يَشغَلُ القلبَ، ويُلهِي عن الخشوع والتَّدبُّر والحضور مع الله تعالى»(٨)، ولا شكَّ أنَّ بيوتَ اللهِ يجب أَنْ تكون مُنَزَّهةً عن مشاغل الدُّنيا وزخارِفِها، لذلك ينبغي اختيارُ اللَّونِ السَّاذَج الذي يكونُ بلونٍ واحدٍ لا يخالِطُه غيرُه ولا نَقْشَ فيه ولا تزويقَ ولا بريقَ، بعيدًا عن الزَّخرفة والبهرجة، لئلَّا يكون ذلك لافتًا لنظرِ المُصلِّين، ولا مُلهِيًا عمَّا هم مُقبِلون عليه مِنْ عبادة ربِّهم. هذا، وما دام أنَّ السَّجَّادَ أحمرُ اللَّونِ فإِنْ كان لا يخالطه لونٌ غيرُه، وهو مجرَّدٌ عن كُلِّ ما يَشغَل القلبَ مِنْ: تزويقٍ وبَريقٍ وزَركشةٍ؛ فيجوز وقفُه للمسجد كغيره مِنَ الألوانِ، لانتفاءِ ما يُلهي عن أمر الصَّلاة، غيرَ أنَّ أحسنَ لونٍ للسَّجَّادٍ وأفضلَه أَنْ يكون بُنِّيًّا فاتحًا يُشبِه لونَ التُّرابِ لأنَّه أبعدُ عن شغلِ القلب ولَفتِه وأجمعُ لقلبِ المُصلِّي. والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمِين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا
إقرء المزيد

في شفاعة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيمَنِ استحقَّ دخولَ النَّارِ مِنْ أهل القِبلة أَنْ لا يدخلَها

في شفاعة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيمَنِ استحقَّ دخولَ النَّارِ مِنْ أهل القِبلة أَنْ لا يدخلَها

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم له شفاعتان: · شفاعةٌ خاصَّةٌ به صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: مثل الشَّفاعةِ العُظمى في أهل المَوقِفِ حتَّى يُقضَى بينهم، وشفاعتِه لأهل الجنَّة مِنْ أُمَّتِه وغيرِهم في الإذن لهم في دخولها، وشفاعتِه في تخفيف العذاب عن عمِّه أبي طالبٍ، وشفاعتِه في رفع درجةِ قومٍ مِنْ صالِحِي أهل الجنَّة. · وشفاعةٌ عامَّةٌ ومُشترَكةٌ بينه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وبين الرُّسُل والأنبياءِ أو عامَّةِ المؤمنين: كالشَّفاعة في المرور على الصِّراط والسَّلامةِ فيه مِنَ الوقوع في النَّار أو الإصابةِ بالحَسَك والكلاليب ـ وهذه مِنَ الأنبياء ـ(١)، والشَّفاعةِ فيمَنْ دخَلَ النَّارَ مِنَ الموحِّدين أَنْ يخرج منها، والشَّفاعةِ في قومٍ تَساوَتْ حسناتُهُم وسيِّئاتُهم، والشَّفاعةِ في بعضِ مَنِ استحقَّ دخولَ النَّارِ ألَّا يدخلها؛ وقد أثبتَ هذه الشفاعةَ الأخيرةَ كثيرٌ مِنْ أهل العلم ومنهم ابنُ تيميةَ ـ رحمه الله ـ في «الواسطيَّة»(٢)، وأمَّا ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ فقد قال: «وهذا النَّوعُ لم أقف إلى الآن على حديثٍ يدلُّ عليه، وأكثرُ الأحاديثِ صريحةٌ في أنَّ الشَّفاعةَ في أهل التَّوحيد مِنْ أرباب الكبائرِ إنَّما تكون بعد دُخُولهم النَّارَ، وأمَّا أَنْ يُشْفَع فيهم قبل الدُّخولِ فلا يدخلون فلَمْ أَظْفَرْ فيه بِنصٍّ»(٣). ويمكن أَنْ يُستدَلَّ للشَّفاعة فيمَنِ استحقَّ النَّارَ أَنْ لا يدخلَها، أو لرفعةِ درجةِ الصَّالحين مِنَ المؤمنين بعمومِ دعاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لموتى المؤمنين بالمغفرة والتَّجاوز والرَّحمة ورفعِ الدَّرجة بنحوِ قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في أخيه مِنَ الرَّضاع أبي سَلَمةَ رضي الله عنه لمَّا تُوُفِّيَ بعد مُنصَرفِه مِنْ أُحُدٍ: «اللهم اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ»(٤)، ويشاركه في هذه الشَّفاعةِ غيرُه بدليلِ قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ»(٥)، فإنَّ هذه شفاعةٌ قبل أَنْ يدخل النَّارَ، فيقبل اللهُ تعالى ذلك منهم للميِّت ببَرَكةِ دُعائِهم وشفاعتهم، غيرَ أنَّ الذي قد يُعكِّر على هذه الشَّفاعةِ كونُها دُنيويَّةً(٦)، بخلاف الشَّفاعات الأخرى فهي أُخرويَّةٌ، لذلك اقتصر بعضُ العلماء على ذِكر الشَّفاعات الأخرويَّة للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم
إقرء المزيد

الجواب على دعوى بَتْرِ النَّصِّ وبيانُ فسادها

الجواب على دعوى بَتْرِ النَّصِّ وبيانُ فسادها

تنبيهٌ: لا شكَّ أنَّ الحقَّ يَعلو ولا يُعلى، وأنَّ المَزاعمَ والشُّبهاتِ الزَّائفةَ والافتراءاتِ المُضلِّلَةَ إنَّما يستعملها المُتهجِّمون المُفتَرُون الذين لا يشعرون بالمراقبة الإلهيَّةِ ولا يكترثون لواقعِ الدَّعوة وخطورةِ المُلابسات عليها، بل شُغلُهم الشَّاغلُ في ذلك هو في تلميعِ صورتِهم بالوقيعةِ والشَّتيمة، وتبرئةِ ساحتِهم لكسبِ مِصداقيَّتِهم عند المُوافِقِين لهم والمُناصِرين، وتوسيعِ دائرةِ عناصرهم على السَّاحة الدَّعويَّة؛ وهم يعرفون ـ في قَرارةِ أنفُسِهم ـ حقَّ المعرفةِ أنَّهم يَرمون بريئًا بأكاذيبَ مُختلَقةٍ، وأَنْ ليس لهم سبيلٌ لِتَلافِي تَرَدِّيهم وتَهافُتِهم إلى الحضيض سوى باستهداف الشَّخص الذي بين أَعيُنِهم واتِّخاذه مِشجَبًا للطَّعن في دِينِه ومنهجه، يعلِّقون عليه التُّهَمَ الباطلةَ والادِّعاءاتِ الكاذبةَ لِتَطويلِ عُمر الخلاف، والخروجِ مِنَ الباب الواسع، وكما قِيلَ: «الحقُّ أبْلَجُ والباطلُ لَجْلَجُ»، وكِلَا الأمرين مُنكشِفٌ لا محالةَ، والعاقبةُ ـ دومًا ـ للحقِّ، والغلبةُ لأهله ولو بعد حين
هذا، ولمَّا كانت مِثلُ هذه الرُّدودِ تستهلك منِّي وقتًا ليس بالهيِّن على حسابِ أعمالٍ عِلميَّةٍ ودعويَّةٍ أخرى أكثرَ نفعًا وأعظمَ فائدةً، لذلك رأيتُني مُضطَرًّا إلى غَلقِ بابِ هذا النَّوعِ مِنَ الرُّدود؛ والاشتغالِ بما هو أَجدَى وأصلحُ للعملِ وأَسْلَمُ للعاقبة، علمًا أنَّ امتداحَ المخالفين المُناوئين لي ـ مِنْ قبلُ ـ وإثناءَهم لم يكن ـ أبدًا ـ لِيُقدِّمني ولا لِيَرفعني في شيءٍ في أمورِ دِيني ودُنْيايَ، بل العكس هو الصَّحيح، وأنَّ ذمَّهم لي وقَدْحَهم ـ حاليًّا ـ لم يكن ليُؤخِّرني ولا ليُوهِنَني في شيءٍ؛ لأنَّ الحقَّ يَعلو بالإخلاصِ والصِّدقِ في القولِ والعملِ، فلهم ـ حينَئذٍ ـ أَنْ يقُولوا عنِّي ما يشاؤون ويرغبون، والحمدُ لله الَّذي قيَّض رجالًا أَكْفاءً يَذُبُّون عن الحقِّ، ويردُّون الباطلَ، ويصدُّون اعتداءَ المُعتدين المُتطاوِلين بأَلْسِنتهم وأقلامهم، قال أبو تمَّامٍ الطائيُّ
ولَسْتَ بِناجٍ مِنْ مَقالَةِ طاعِـنٍ *** ولَوْ كُنْتَ في غارٍ عَلى جَبَلٍ وعْرِ ومَنْ ذا الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّاسِ سالِمًا *** ولَوْ غابَ عَنهُمْ بَيْنَ أجْنِحَةِ النَّسْرِ(١٢) والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا
إقرء المزيد

في صِفَةِ المَعِيَّةِ للهِ تَعالى

في صِفَةِ المَعِيَّةِ للهِ تَعالى

السؤال: لم يتَّضِح لي ما أَشكلَ مِنْ مسألةِ المعيَّة: أهي حقيقيَّةٌ تجري على ظاهرها أم هي ذاتيَّةٌ أم هي كنايةٌ فعليَّةٌ في قوله سبحانه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ‌ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٤﴾ [الحديد]، وفي غيرها مِنَ الآيات؛ فهل يُمكنُ توضيحُ المسألةِ ؟ وجزاكم الله خير الجزاء
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد
فمُعتقَدُ أهلِ السُّنَّة والجماعة: أنَّ اللهَ مع خَلْقِه أينما كانوا، وأنَّه سبحانه فوق سماواته، مُستوٍ على عرشه، بائنٌ مِنْ خَلْقه، قريبٌ في عُلُوِّه، عالٍ في دُنُوِّه قولًا واحدًا؛ قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «وقد دخَلَ فيما ذكَرْناه مِنَ الإيمان بالله: الإيمانُ بما أَخبرَ اللهُ به في كتابه، وتَواترَ عن رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأَجمعَ عليه سلفُ الأمَّة: مِنْ أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، عليٌّ على خَلْقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا: يعلم ما هم عامِلون»(١)
والمَعِيَّةُ على ظاهرها، وهي مَعِيَّةٌ حقيقيَّةٌ في معناها الصحيح كما تَليقُ بالله تعالى، وهو ما ذهَبَ إليه ابنُ تيميَّة وغيرُه؛ ومُعظَمُ عباراتِ السَّلف عنها: أنَّ المعيَّةَ هي كنايةٌ عن العلم وغيرِه مِنْ معاني الربوبيَّة العامَّةِ، أو عن النصر والتَّأييد أو غيرِه مِنْ معاني الربوبيَّة الخاصَّةِ حسَبَ السياق الذي تأتي فيه، ويدلُّ عليه سياقُ قولِه تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ‌ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْ‌ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ٧﴾ [المجادلة]، وهذا القولُ وإِنْ كان مُناسِبًا للسِّياق؛ حيث إنَّ الآيةَ ابتُدِئَتْ بالعلم وخُتِمَتْ به إلَّا أنه تفسيرٌ باللازم، والأَوْلى تفسيرُها على ظاهرها، إذ لا منافاةَ بين العُلُوِّ والمَعِيَّة في حقِّ المخلوق فضلًا عن الخالق
ولا يخفى أنَّه إذا كان الجمعُ بين العُلُوِّ والمَعِيَّةِ ممكنًا جائزًا في حقِّ المخلوقِ، مِثل: القمر وسائر الكواكب: فهي موضوعةٌ في السماء، وهي ـ في ذات الوقت ـ مع أهل الأرض أينما كانوا، فيجوز اجتماعُهما في حقِّ الخالق مِنْ بابٍ أَوْلى، ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ [النحل: ٦٠]، لذلك جمَعَ اللهُ تعالى بين ذِكرِ عُلُوِّه واستوائه على عرشه الذي هو أعلى مِنْ سماواته وبين كونِه معنا في سياقِ إحاطته بخَلْقه علمًا في قوله: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ‌ۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَا‌ۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ‌ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٤﴾ [الحديد]، ولو سُلِّم ـ جدلًا ـ تعذُّرُ اجتماعِ العُلُوِّ والمَعِيَّة في حقِّ المخلوق فلا يتعذَّر ذلك في حقِّ الخالق لانتفاء الإلحاق القياسيِّ بينهما في الصِّفات، ولظهورِ الفرق جليًّا بين الخالق والمخلوق(٢)، ولأنه سبحانه ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞ‌ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١﴾ [الشورى]، ويدلُّ على حصول التباين بينهما قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في سفره: «اللهم أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ»(٣)، فحصَلَ الجمعُ بين الصُّحبة له في السفر والخلافةِ له في الأهل في آنٍ واحدٍ، وهذا الجمعُ بينهما مستحيلٌ في حقِّ المخلوق؛ وعليه، فلا منافاةَ بين المَعِيَّةِ وبين العُلُوِّ أو الفوقيَّة، وهو قريبٌ في عُلُوِّه، عالٍ في دُنُوِّه؛ لأنَّ المَعِيَّةَ ليس معناها الاختلاطَ والامتزاجَ والمداخلةَ والمجاورةَ الحِسِّيَّةَ ولا تقتضيها، ويختلف معناها بحسب السِّياق والمَقام كما سيأتي في كلامِ ابنِ القيِّم رحمه الله؛ بل المرادُ بالمَعِيَّةِ في لغة العرب: مُطلَقُ المصاحبة، وأمَّا العُلُوُّ فهو مِنْ صفات الله الذاتيَّةِ اللازمة له التي لا تنفكُّ عنه أبدًا
إقرء المزيد